بقلم: أمل الكناني
تدقيق: الدكتور سعيد الكردي

يحدد الإسلام بوضوح شديد حاجة المسلمين إلى إيجاد التوازن أثناء محاولة الوفاء بالتزاماتهم تجاه أنفسهم وأسرهم والمجتمع وتجاه الله.

وخلال شهر رمضان، يواجه المسلمون تحديًا إضافيًا يتمثل في تحقيق التوازن بين التزاماتهم في العبادة مع تقديم أفضل ما لديهم من قدرات في مكان العمل.

إذا كنت تعمل عزيزي القارئ فأكيد سمعت داخل بيئة العمل في شهر رمضان العبارات الآتية وهي: “بعد العيد إن شاء الله” أو “خلها بعد الفطور” ،الدنيا مو طائرة، نفطر ونتعين من الله خير” سبب هذه السلوكيات برأي هؤلاء الأشخاص الصيام، على الرغم من أن هذا غير صحيح لا علمياً ولا عقائدياً، فالعديد من الدراسات الحديثة أكدت أن الصيام يساعد على تحسين المزاج، ورفع مستوى الطاقة، والعيش لفترة أطول؛ أما عقائدياً فالأحاديث الشريفة تبين فضل الصيام ، ولا يوجد حديث واحد يعلل انخفاض إنتاجية الصائم، بالإضافة إلى مقاصد الصيام الاجتماعية مثل تحقيق التكافل ومساعدة الغير وتهذيب النفس والتحكم  الحقيقي فيها. بل يكمن السبب و في العقليات نفسها والعادات الراسخة.

في استطلاع أجرته منصة بيت كوم عام 2022، توضح أن إنتاجية الموظف تنخفض بنحو 35% إلى 50% في الشهر الفضيل، فقد حان الوقت لتغيير العقلية السائدة وبناء عادات جديدة تساعدك أن الحفاظ على الإنتاجية، لا سيما أن بناء عادة جديدة يستغرق 18 يوماً على الأقل.  

في شهر رمضان، تتحول ديناميات بيئة العمل لتتناسب مع تقاليد هذا الشهر الكريم، حيث يجب أن يتعامل الجميع بلباقة واحترام، ويطبقون قواعد الاتيكيت في العمل، مع التركيز على توجيه المشاركات الفعالة التي تساهم في تعزيز التواصل السلس والإنتاجية في بيئة العمل.

في هذا المقال سنتعرف على إتيكيت شهر رمضان في العمل، الذي سيساعدك على التعامل بلباقة واحترام في بيئة العمل خلال هذا الشهر المميز، وكيف يمكننا جميعًا تعزيز الإنتاجية والتعاون لضمان تجربة عمل إيجابية خلال شهر رمضان المبارك.

العمل خلال شهر رمضان: المزج بين العمل والعبادة:

في قلب الإسلام، تكمن قيمة العمل وأهميته الكبيرة، حيث يُشدد الدين الإسلامي على قيمة العمل في حياة المُسلم، ويُعلم المسلمين بأنه يجب عليهم تحقيق التوازن بين عبادتهم وأعمالهم، فعلى المسلمين أن يستمروا في أداء العبادات، بينما يسعون أيضًا لتحقيق الاستقلال المالي.

بالإضافة إلى ذلك، فقد كانت تعليمات النبي محمد صلى الله عليه وسلم واضحة بشأن هذا المفهوم، حيث أكد على أن القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية للحياة من خلال العمل هي عبادة محمودة في حد ذاتها.

ولكن، ماذا عن شهر رمضان؟

إن الاحترام والتقدير والإنتاجية هي مفاتيح النجاح في بيئة العمل، وخاصة في شهر رمضان، الذي يجمع بين العمل والعبادة.

في هذا الشهر المبارك، لا يجب على المسلمين استخدام الصيام والعبادة كعذر لتقديم العمل بمستوى أقل من الالتزام والإنتاجية المعتادة، أو التعامل بشكل غير لائق مع الزملاء وتجاهل إتيكيت شهر رمضان. بدلاً من ذلك، يجب على المسلمين أن يتذكروا التزاماتهم ومسؤولياتهم المهنية والاجتماعية تجاه أصحاب العمل وتجاه زملائهم، والعمل على تطبيق قواعد الاتيكيت في العمل بشكل إيجابي وحيوي.

رمضان هو دورة تدريبية على الصبر والتعامل الراقي:

 في أولى أيام شهر رمضان المبارك، يعتري الإنسان شعورًا متكررًا بالتوتر والقلق. فـخلال شهر رمضان، لا يمكنك أن تستمتع بفنجان قهوتك المعتادة في الصباح، أو حتى بشرب الماء لتبقي جسمك رطبًا.

تنص الأبحاث على أن الانتباه والتركيز يستمران لمدة تتراوح بين 40 إلى 50 دقيقة، وبعد ذلك يصبح من الضروري أخذ استراحة قصيرة.

فماذا يمكن أن تفعل لتسيطر على مستويات توترك حتى لا تتأثر الطريقة التي تتعامل بها مع زملائك في بيئة العمل وتتبع قواعد اتيكيت شهر رمضان؟

• جرب الذهاب إلى الحمام وغسل وجهك لإعادة تنشيط عقلك.
• اخرج للمشي لمسافة قصيرة في الهواء الطلق ورفع مستوى الأكسجين في جسمك.
• إذا كنت قادرًا على ذلك، فقم بالتجول لبضع دقائق حول مكتبك كل ساعة.
• حاول أيضًا التأكد من تواجدك في مكان به تهوية جيدة، حتى يكون لديك الحد الأقصى من الأكسجين في الجسم.

قواعد الاتيكيت في العمل: اتيكيت شهر رمضان:

لم يترك الاتيكيت منحاً حياتيًا إلا وتطرق إليه. ولعل رمضان من بين هذه الجوانب. ففي مختلف البلدان، وحتى الغير إسلامية منها، هناك خصوصية واحترام خاص لشهر رمضان المبارك كونه يمثل شهر عبادة وتآلف ومحبة وتراحم في العلاقات الإنسانية والاجتماعية المختلفة بين كل الناس.

وانطلاقا من هنا، نظم فن الإتيكيت والتعامل الراقي قواعد الاتيكيت في العمل خلال شهر رمضان المبارك.

فما هي قواعد اتيكيت شهر رمضان التي يمكنك تطبيقها في مكان عملك؟

• تجسيد روح شهر رمضان:  في عملك وفي تعاملاتك مع الآخرين، حافظ على إتباع اتيكيت شهر رمضان من خلال تجسِيد القيم النبيلة مثل الصدق والعدل الالتزام والاجتهاد.
• تجنب الأفعال التي تقلل من قيمة الصيام ومن احترام الآخرين لك: من المهم أن نعرف أن الصيام يعني أكثر من مجرد الامتناع عن الأكل والشرب، لذلك، تتضمن قواعد اتيكيت شهر رمضان الامتناع عن أشياء مثل الشتائم والنميمة والتصنت والغيبة والكذب والافتراء لأن هذه الأفعال تقلل بشدة من قيمة الصيام.
• تقديم الدعم والتعاون: قد يحتاج بعض الزملاء لدعم إضافي خلال شهر رمضان. كن مستعدًا لتقديم المساعدة والتعاون معهم في القيام بالمهام المشتركة بطريقة تتيح لك ولهم الحفاظ على التزاماتهم الدينية.

• الحفاظ على المرونة: يمكنك تنظيم الاجتماعات الهامة خارج فترات الصيام، وتجنب تنظيم الفعاليات في المساء. فخلال شهر رمضان، يخصص معظم الناس الوقت الذي يلي الإفطار إلى التجمعات العائلية وزيارة الأقارب.
• التعبير بوضوح وهدوء والتحكم في الغضب: من قواعد الاتيكيت في العمل خلال شهر رمضان هي التحكم في الغضب. عندما تشعر بالغضب، حاول التعبير عن مشاعرك بوضوح ولكن بنبرة هادئة. استخدم كلمات مهذبة ومحترمة دون اللجوء إلى الانفعالات أو العبارات العدائية.
• التعبير عن التقدير لروح التعاون بين أعضاء الفريق: قد يكون شهر رمضان فرصة لتقديم الدعم والتعاون بين الزملاء. لذلك، فإن تعبيرك عن التقدير لجهود زملائك وتقديم الدعم المعنوي لهم يمكن أن يعزز الروح الجماعية في الفريق.
• التفكير قبل الرد: قبل الرد على موقف يثير غضبك، حاول أن تأخذ لحظة للتفكير وتقييم الوضع بشكل هادئ. هل هناك رد فعل منطقي ومناسب يمكنك تقديمه؟

في ختام هذا المقال حول قواعد الاتيكيت في العمل خلال شهر رمضان، نستطيع أن نستشرف العديد من الدروس والتوجيهات التي يمكن أن نستفيد منها طوال هذا الشهر الكريم وحتى بعد انتهائه. تعلمنا خلال هذا المقال أهمية التعامل باحترام وتقدير زملائنا خلال فترة الصيام، وكيفية خلق بيئة عمل مريحة ومتعاونة للجميع. 

 يجب أن نسعى لجعل قواعد الاتيكيت في العمل تستمر معنا لأكثر من الثلاثين يومًا وجعلها جزءًا من أسلوب حياتنا اليومية.

من خلال فهم وتطبيق قواعد اتيكيت شهر رمضان وقواعد الاتيكيت في العمل، يمكننا بناء علاقات مهنية قوية ومتينة، وتعزيز الروح الجماعية في الفريق، وتحقيق الإنجازات الكبيرة سويًا.

فلنكن قدوة حسنة في بيئة العمل، ولنمارس الاتيكيت في العمل بكل جدية والتزام، لنعيش تجربة مهنية ممتعة ومثمرة خلال هذا الشهر الفضيل وكل أيامنا.