أبريل 22, 2025
بقلم أمل الكناني
هل يمكن لتصرف بسيط أن يصنع أو يهدم سمعة مدير تنفيذي؟
في عالم الأعمال اليوم، لم تعد الكفاءة وحدها كافية، الطريقة التي يتحدث بها القائد، يصغي بها، يتعامل بها، ويقود بها، أصبحت جزءًا لا يتجزأ من صورته المهنية.
في بيئات العمل الحديثة، يُقاس تأثير المدير التنفيذي ليس فقط بنتائج الأرقام، بل أيضًا بقدرته على تمثيل القيم، وغرس الثقة، وبناء علاقات قائمة على الاحترام والاحترافية. وهنا يأتي دور الإتيكيت كأداة حاسمة — فهو ليس مجرد شكليات، بل سلوك مؤسسي يعكس عمق الشخصية وصدق النوايا.
إن المدير التنفيذي الذي يُتقن قواعد الإتيكيت، يُرسل إشارات غير مباشرة لكل من حوله أنه شخص يمكن الوثوق به، والعمل معه بثقة، والاقتداء به دون تردد. تلك التفاصيل التي قد تبدو ثانوية، هي في الحقيقة ما يُشكّل الصورة الذهنية الأقوى في أذهان الفريق، والمستثمرين، والعملاء.
في هذا المقال من إرساء للإستشارات، سنغوص في أعماق هذا الجانب غير الملموس، ونتعرّف على أهمية الإتيكيت في بناء سمعة المدير التنفيذي، وكيف يمكن لأسلوبك في القيادة أن يكون سرًّا خفيًا في تحقيق التميز المؤسسي والنجاح طويل المدى.
قد يرى البعض أن الإتيكيت لا يتعدى كونه مظاهر شكلية، لكن في واقع بيئة الأعمال الحديثة، يُعد من أعمدة القيادة المؤثرة. الإتيكيت ليس فقط أداة للتعامل اللبق، بل استراتيجية خفية تُشكل الصورة الذهنية للمدير التنفيذي أمام الموظفين، والمستثمرين، والعملاء على حد سواء.
في علم النفس التنظيمي، هناك ما يُعرف بـ “Halo Effect”، وهو تأثير الهالة، الذي يوضح كيف يمكن لانطباع إيجابي واحد—مثل اللباقة أو الهدوء أو احترام المواعيد—أن يُنعكس على تقييمنا الكامل لشخص ما. هذا يعني أن سلوكيات بسيطة، مثل الطريقة التي يُسلّم بها المدير على أحد الموظفين، أو كيف يُدير حوارًا في اجتماع، قد تؤثر بشكل غير مباشر على رؤية الفريق لقراراته، واستراتيجياته، وحتى كفاءته القيادية.
تشير الدراسات إلى أن 60 إلى 70% من الانطباع الأول عن القادة داخل المؤسسات يُبنى على سلوكهم غير اللفظي، وأسلوبهم في التفاعل، لا على إنجازاتهم المكتوبة أو نتائج الأداء فقط. وهذا ما يُعرف بـ “السمعة الصامتة”، وهي الانطباعات المتراكمة التي لا تُقال لكنها تُشعَر، وتؤثر بشكل كبير على مستوى الثقة، والاحترام، والولاء.
خذ مثلًا مديرًا تنفيذيًا يدخل قاعة الاجتماعات في الموعد تمامًا، يُرحب بفريقه بابتسامة صادقة، ويستمع لآراء الجميع دون مقاطعة. لا يحتاج هذا القائد إلى أن يُخبر الآخرين أنه محترف—فهم يشعرون بذلك فورًا. على النقيض، مدير أما غير متمكن من مهارات الإلقاء أو يرفع صوته عند نقاش، أو يتجاهل رسائل البريد من الموظفين، قد يُنظر إليه على أنه غير مبالٍ، حتى لو كان يحقق أرباحًا قياسية.
الإتيكيت هنا لا يتعلق بالكمال، بل بالوعي، والانتباه للتفاصيل الصغيرة التي تُترجم، مع الوقت، إلى قوة ناعمة. المدير الذكي لا يعتمد فقط على سلطته أو خبرته، بل يعرف أن الكلمة اللطيفة، والنظرة المحترمة، والتصرف اللبق قد تصنع فارقًا أعظم من قرارات مجلس الإدارة.
المدير الناجح لا يُقاس فقط بعدد القرارات الصائبة أو الخطط التي وضعها، بل أيضًا بكيفية ظهوره وتفاعله اليومي داخل بيئة العمل. وهنا يأتي دور “إتيكيت القيادة” كعامل فارق، يُحول القائد من مجرد شخص في منصب، إلى شخصية ملهمة تترك أثرًا طويل المدى.
هناك خطوات عملية بسيطة، لكنها تُعد من القواعد الذهبية في إتيكيت المدير التنفيذي داخل الشركات:
في النهاية، الإتيكيت ليس رفاهية قيادية، بل مهارة استراتيجية تُكمل شخصية المدير وتزيد من تأثيره. وكل خطوة لبقة محسوبة، هي خطوة إضافية في بناء سمعة قوية لا تُنسى.
في عالم الإدارة، السلطة لا تُقاس فقط بالقرارات الحاسمة أو النفوذ الوظيفي، بل بكيفية التصرّف داخل المساحة مثل مساحة المكتب، مساحة الحديث، وحتى المساحة النفسية في الحوار. وهنا يأتي دور الإتيكيت كوسيلة ذكية تُترجم الحضور القيادي إلى لغة غير لفظية واضحة ومحترمة.
المدير التنفيذي الواعي لا يملأ الغرفة بصوته فقط، بل بحضوره المنظّم. الجلوس في منتصف الطاولة في الاجتماعات الرسمية، على سبيل المثال، ليس مجرد اختيار عشوائي، بل رسالة تُشير إلى المركزية دون فرض السيطرة. الوقوف عند استقبال الضيوف، المصافحة بكامل الجسد (لا اليد فقط)، وتجنّب المقاطعة أثناء الحديث، كلها تفاصيل صغيرة ترسم حدودًا دقيقة بين السلطة والتسلط.
خطوات تُعبّر عن الحضور القيادي بذكاء:
من منظور علم النفس السلوكي، الإنسان يحكم على الشخصية القيادية خلال أول دقيقتين من التفاعل بناءً على ما يُسمى بـ”المؤشرات غير اللفظية”—وهي مساحة الجلوس، وتوزيع النظر، ولغة اليدين، ومعدل التنفس. وكلها تنتمي إلى عالم الإتيكيت في صورته المهنية الأنيقة.
مثال تطبيقي:
مدير تنفيذي يُدير اجتماعًا مع فريق متعدّد الجنسيات، يبدأ الاجتماع بتقديم الحضور الآخرين قبل أن يتحدّث عن نفسه، يجلس في موقع مركزي لكن لا يقاطع أحدًا، يُنصت جيدًا، ويلخّص المداخلات بلغة متزنة. هذا المشهد البسيط يترك انطباعًا عميقًا بالقيادة الناضجة، ويُظهر شخصية مؤثرة دون أن تُصدر كلمة واحدة عن “منصبها”.
في النهاية، الإتيكيت هنا لا يُستخدم كأداة تجميلية، بل كوسيلة لصنع نوع من الحضور الصامت الذي لا يُنسى. فالقادة الذين يُتقنون فن استخدام المساحة ببروتوكولات رفيعة يُعتبرون أكثر قدرة على التأثير دون الحاجة للهيمنة، وهذا ما يجعلهم رموزًا للثقة والاحترام، وليس فقط أصحاب مناصب.
المدير الناجح لا يُقاس فقط بصرامة قراراته، بل بكيفية اتخاذها. كثير من المديرين يظنون أن الهيبة تُبنى بالصوت العالي أو بإصدار الأوامر الجافة، لكن الواقع المهني أثبت عكس ذلك. في عالم الأعمال الحديث، الحزم لا يتعارض مع اللطف، بل يتكامل معه.
عندما يتمكن المدير التنفيذي من قول “لا” بطريقة لبقة، أو ينقل نقدًا بأسلوب بنّاء، يترك انطباعًا بأنه شخص متزن، واثق، ومحترم. مثلًا، بدلًا من أن يقول: “هذا الأداء سيء”، يمكنه القول: “أعتقد أن هناك مجالًا لتحسين هذا الجزء، خلينا نشوف مع بعض خطة بديلة.” — هنا، نفس الرسالة وصلت، لكن دون جرح أو إهانة.
هذه المهارة الدقيقة تُعرف في عالم الاتيكيت المهني بـ “assertive etiquette”، وهي لا تقل أهمية عن المهارات الفنية أو الاستراتيجية، بل غالبًا ما تكون الفيصل بين قائد يُحترم، وآخر يُخشى فقط دون تقدير حقيقي، وبما اني المدير التنفيذي يكون معرض للسفر بشكل كبير بسبب الدوام يمكنكم الإطلاع على مقال إتيكيت السفر للأعمال
قبل أن يتحدث المدير بكلمة، يكون قد قال الكثير دون أن يدري — من خلال مظهره، خطواته، نظرته، وطريقة جلوسه. الدراسات السلوكية تؤكد أن أكثر من 55% من الانطباع الأول يتكوّن من التواصل غير اللفظي، أي من لغة الجسد والمظهر العام.
المدير التنفيذي الذي يهتم بتفاصيل مظهره، دون مبالغة، يوصل رسالة ضمنية أنه يحترم دوره ويحترم من حوله. الحذاء اللامع، القميص المكوي، وتناسق الألوان، ليست مجرد كماليات، بل مؤشرات على الانضباط الداخلي والاحترافية.
أما لغة الجسد — مثل المصافحة الواثقة، التواصل البصري المتزن، والجلوس المستقيم — فتعزز الصورة الذهنية للقائد المتحكم في حضوره. حتى الابتسامة المهذبة، في غير مبالغة، تُكسِب القائد احترامًا إضافيًا وتفتح قنوات تواصل أكثر سلاسة مع من حوله.
في النهاية، الإتيكيت الصامت في هذه التفاصيل قد يكون أقوى من أي خطاب أو توجيه.
عندما يخرج المدير التنفيذي من مكتبه إلى دائرة الضوء العامة، لا يعود مجرد فرد، بل يصبح وجه الشركة، ولسانها، وروحها. في المؤتمرات، الحوارات الإعلامية، اجتماعات الشراكات أو حتى المناسبات الاجتماعية، يُقاس سلوك المدير التنفيذي بدقة، وغالبًا ما يُحمّل على عاتق المؤسسة ككل. الإتيكيت هنا لا يكون اختياريًا، بل ضرورة استراتيجية.
دراسة حديثة على رؤساء الشركات المدرجين في قائمة Fortune 500 أوضحت أن 78% من تقييم السمعة المؤسسية يتأثر بالسلوك العام للمدير التنفيذي. أي تصرّف بسيط أو تعليق غير محسوب قد يُفسر كرسالة عن ثقافة الشركة نفسها.
لضمان تمثيل خارجي مشرف ومهني، إليك أهم خطوات إتيكيت الظهور الخارجي للقادة:
قبل أي مؤتمر أو مقابلة، يجب أن يكون المدير على دراية بكل التفاصيل: الموضوعات المطروحة، خلفيات الحضور، وحساسيات البيئة المحيطة. التحضير هنا لا يشمل فقط المحتوى، بل يشمل أيضًا المظهر، ونبرة الصوت، ولغة الجسد.
حتى في أشد اللحظات ضغطًا، الكلمات يجب أن تُختار بدقة. تجنب المصطلحات الحادة أو التقييمات المتطرفة، خصوصًا عند الحديث عن المنافسين أو التحديات الداخلية. لغة المدير الذكي يجب أن تجمع بين الوضوح، اللباقة، والاحتراف.
في الإعلام أو الفعاليات العامة، لا مفر من الأسئلة الحرجة. إظهار الهدوء، والرد بثقة دون مبالغة أو تبرير، يعكس قيادة ناضجة ومتماسكة. المدير الذي يواجه المواقف غير المتوقعة بابتسامة واتزان، يكسب احترام الجمهور حتى في الأزمات.
شاهد هذا الفيديو التدريبي القصير حول إتيكيت التعامل مع الأسئلة الصعبة مع المدربة أمل الكناني في حلقات أ ب إتيكيت.
في كل فعالية هناك “Dress Code” غير مكتوب. تجاهله يُضعف من صورتك أمام الحضور. تشمل عناصر الانطباع المهني:
📎 تحتاج دليلاً عمليًا؟
يمكنك تحميل الدليل الإرشادي للزي المهني المتكامل للقادة والتنفيذيين باللغتين العربية والإنجليزية من إرساء للإستشارات.
سواءً في جلسات نقاش أو بعد انتهاء الفعالية، تواصل المدير مع الحاضرين يُعد جزءًا من صورته. الاستماع باهتمام، الترحيب بالأسئلة، وتقديم المجاملات الذكية، يُبقي الجمهور في دائرة الود ويخلق انطباعًا إنسانيًا مميزًا عن القائد ومؤسسته.
ببساطة، كل ظهور خارجي هو اختبار للإتيكيت القيادي، ومدى نجاح المدير فيه لا ينعكس على صورته الشخصية فقط، بل يمتد ليشكّل تصورًا عامًا عن ثقافة الشركة، ومستوى قيادتها، وقيمها المهنية.
في بيئة الأعمال المعقدة اليوم، لا يكفي أن يكون المدير التنفيذي ذكيًا أو صاحب رؤية فقط — بل يجب أن يكون أيضًا راقٍ في تعامله، واعٍ في تواصله، ومحترفًا في تفاصيله. أهمية الإتيكيت في بناء سمعة المدير التنفيذي لا تُقاس بالكلمات، بل بالأثر المتراكم الذي يتركه القائد في كل تفاعل، وكل موقف.
من طريقة تقديمه لنفسه، إلى أسلوب تعامله مع التحديات، من ظهوره في الاجتماعات الداخلية إلى تمثيله للمؤسسة خارجيًا — كلها مشاهد تُسجَّل وتُفسَّر، ثم تُبنى منها السمعة.
السمعة القوية لا تُشترى ولا تُفرض، بل تُبنى من تراكمات صغيرة، دقيقة، ومنضبطة — والإتيكيت هو الغراء الذي يربط تلك التفاصيل ببعضها البعض ليصنع صورة لا تُنسى، ومكانة يصعب منافستها.
فإذا كنت مديرًا تنفيذيًا أو تطمح لأن تكون، فاجعل من الإتيكيت جزءًا أصيلًا من قيادتك، لأنه في النهاية، القادة الحقيقيون لا يُقاسون فقط بما يفعلونه، بل بكيفية فعلهم له.
الإتيكيت هو جزء أساسي من الاحترافية، لكنه يركز على الطريقة: كيف تقول؟ كيف تتصرف؟ كيف تتواصل؟ بينما الاحترافية تشمل أيضًا المهارات التقنية والقدرة على الإنجاز. الإتيكيت هو “الأسلوب”، والاحترافية هي “النتيجة”.
من الممكن، لكن من النادر أن تستمر. قد تبني سمعتك على الكفاءة، لكن بدون اللباقة والذكاء العاطفي والاتساق السلوكي، ستظل تلك السمعة هشّة ومعرّضة للانهيار في أول اختبار علاقات أو أزمة تواصل.
ابدأ بالوعي الذاتي: راقب سلوكك، تعبيرات وجهك، لهجتك، ردود أفعالك. بعد ذلك، اطلب تغذية راجعة من زملائك أو مرشدك. تابع القراءة والتعلم عن البروتوكولات والسلوكيات الراقية في بيئة الأعمال، خصوصًا في المواقف الحساسة.
بالتأكيد. بعض التفاصيل تختلف حسب الثقافة والسياق، لكن المبادئ الأساسية — مثل الاحترام، حسن الاستماع، اللباقة، والصدق — تظل مشتركة عالميًا.
الاستماع الفعّال. لأنه لا يُظهر فقط احترامك للآخرين، بل يمنحك معلومات ثمينة لبناء قرارات صحيحة. القادة الذين يستمعون جيدًا، غالبًا ما يُنظر إليهم كقادة حكماء وعادلين.
هل كان المحتوى مفيد