إتيكيت الإكراميات حول العالم
بقلم أمل الكناني
تُعد الإكرامية، أو “البقشيش”، لغة عالمية تُترجم كرم الضيافة والتقدير، لكن قواعد وإتيكيت الإكراميات تختلف بشكل كبير عبر الثقافات والحدود. إنها ليست مجرد مبلغ مالي يُضاف إلى الفاتورة، بل هي ظاهرة اجتماعية واقتصادية معقدة، تكشف الكثير عن عادات الشعوب، ودوافع السلوك الإنساني، والأنظمة الاقتصادية للعاملين في قطاع الخدمات. يتجاوز هذا المقال من إرساء للإستشارات وتنمية القدرات القواعد الأساسية ليغوص في الأبعاد النفسية والاقتصادية للإكراميات، مدعومًا بدراسات وإحصاءات تلقي ضوءًا جديدًا على هذه العادة المتجذرة.
لماذا ندفع الإكرامية؟ دوافع نفسية واجتماعية
كشفت العديد من الدراسات أن قرار دفع الإكرامية ومقدارها لا يعتمد فقط على جودة الخدمة المُقدمة. ففي حين أن تقدير الخدمة الجيدة سبب شائع، إلا أن عوامل أخرى تلعب دورًا كبيرًا:
- الأعراف الاجتماعية والرضا النفسي: يشعر الكثيرون بأنهم ملزمون بدفع الإكرامية كجزء من العرف الاجتماعي السائد لتجنب الشعور بالإحراج أو الظهور بمظهر البخيل. ووجد الباحثون أن الرغبة في الامتثال للمعايير الاجتماعية قد تكون دافعًا قويًا. كما أن فعل العطاء بحد ذاته يمكن أن يولّد شعورًا بالرضا والسعادة لدى المُعطي.
- جودة الخدمة مقابل حجم الفاتورة: على عكس الاعتقاد الشائع، أشار مايكل لين، الخبير البارز في سلوك المستهلك وأبحاث الإكراميات من جامعة كورنيل، إلى أن جودة الخدمة الفعلية لا تمثل سوى نسبة ضئيلة (حوالي 1-5%) من التباين في قيمة الإكراميات. وتشير دراسات أخرى إلى أن حجم الفاتورة هو العامل الأقوى في تحديد قيمة الإكرامية في المطاعم، حيث يمثل حوالي 70% من القرار.
- التواصل الإنساني: تلعب اللمسات الشخصية دورًا في زيادة الإكرامية. فالابتسام، والتواصل البصري، وتقديم النادل لنفسه باسمه، أو حتى ارتداء شيء مميز، كلها عوامل قد تزيد من شعور الزبون بالارتباط الإنساني وبالتالي زيادة الإكرامية.
- دوافع أخرى: تشمل الدوافع الأخرى الشعور بالذنب تجاه من يخدمنا، أو إظهار نوع من السيطرة أو المكانة الاجتماعية، أو التعاطف مع حاجة العاملين للدخل الإضافي، أو حتى المزاج الجيد للزبون في تلك اللحظة.
يمكنكم أيضا متابعة قراءة مقال: إتيكيت إكراميات السفر | دليل مفصل لتقدير خدمات أثناء السفر
البعد الاقتصادي للإكراميات: أرقام وحقائق
للإكراميات وزن اقتصادي كبير، خاصة في بعض الدول والقطاعات:
- مصدر دخل رئيسي: في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، تقدر قيمة الإكراميات السنوية بعشرات المليارات من الدولارات. وبالنسبة لملايين العاملين في قطاع الخدمات، تشكل الإكراميات جزءًا أساسيًا من دخلهم، خاصة في ظل وجود ما يُعرف بـ “الحد الأدنى لأجور العاملين الذين يتلقون إكراميات”، والذي يكون أقل بكثير من الحد الأدنى الفيدرالي للأجور. فقد تصل نسبة الدخل من الإكراميات إلى 58% لبعض فئات العاملين في المطاعم.
- “تضخم الإكراميات” و”زحف الإكراميات”: لاحظ المستهلكون في بعض الدول، مثل الولايات المتحدة، ارتفاعًا في النسب المقترحة للإكراميات وظهور طلب الإكرامية في أماكن لم تكن معتادة سابقًا (مثل أكشاك الخدمة الذاتية) ، مما أثار جدلاً حول ما يسمى “تضخم الإكراميات” أو “زحف الإكراميات”.
- تأثير على الأسعار وتكاليف التشغيل: يرى بعض أصحاب المطاعم أن نظام الإكراميات يساعدهم في الحفاظ على أسعار قائمة طعام منخفضة، مما يجذب الزبائن، بينما يفضل بعض العملاء نظام الإكراميات لأنه يمنحهم شعورًا بالتحكم في مكافأة جودة الخدمة.
إحصائية على عادات وإتيكيت الإكراميات عالميًا:
تتباين ثقافة الإكرامية بشكل كبير جدًا حول العالم، وتوضح الإحصاءات بعض هذه الاختلافات:
- متوسطات متباينة في المطاعم: أظهر استطلاع أجرته شركة YouGov أن متوسط الإكرامية في المطاعم يختلف بشكل كبير بين الدول. فبينما يبلغ المتوسط في الولايات المتحدة حوالي 13.4%، يصل في الإمارات العربية المتحدة إلى 8.2%، وفي الهند 7.7%، وبريطانيا 6.1%، والسويد 4.5%.
- مقارنة بين أوروبا والولايات المتحدة: يميل الأمريكيون والألمان لأن يكونوا الأكثر احتمالاً لترك إكرامية مقارنة بالجنسيات الأوروبية الأخرى. السبب الرئيسي المعلن لترك الإكرامية في كلتا المنطقتين هو مكافأة الخدمة الجيدة، لكن الأمريكيين أكثر استعدادًا لترك إكرامية حتى لو كانت الخدمة سيئة، مقارنة بالأوروبيين.
- الاختلاف داخل الخدمات: حتى داخل الدولة الواحدة، تختلف نسب الإكرامية المتوقعة باختلاف الخدمة. ففي الولايات المتحدة، تحظى المطاعم بأعلى معدلات الإكرامية، تليها صالونات الشعر، بينما تكون أقل في المقاهي أو لخدمة الغرف في الفنادق.
- اتجاهات حديثة: تشير بعض البيانات الحديثة مثل استطلاع Bankrate في الولايات المتحدة) إلى تراجع في نسبة البالغين الذين يتركون إكرامية بشكل دائم لبعض الخدمات مثل مصففي الشعر، وعمال توصيل الطعام، وسائقي سيارات الأجرة وخدمات مشاركة الركوب، وذلك بين عامي 2021 و2024.
لمحة عن إتيكيت الإكراميات (البقشيش) حول العالم:
مصر: في المطاعم: 5 إلى 10% من إجمالي الفاتورة.
الصين: لا تحتاج لدفع البقشيش في الصين. لكن يمكن أن تدفع لموظفي الإرشاد السياحي حيث يعتمدون على الإكراميات كمصدر أساسي للدخل.
اليابان وهونج كونج: من غير المقبول منح البقشيش في اليابان أو هونج كونج، بل قد يعتبر الأمر إهانة.
السعودية: في المطاعم: 5 إلى 10% من إجمالي الفاتورة. حتى في الحالات التي يضيف فيها المطعم رسوم الخدمة على الفاتورة.
قطر: في المطاعم 15 إلى 20%. وفي الفنادق امنح ما يوازي من دولارين إلى 5 دولارات لعاملي الغرف أو حاملي الحقائب.
الإمارات:
- تضاف رسوم الخدمة على فاتورة المطاعم، لكن يمكنك إضافة المزيد في حالة رضاك عن الخدمة من 15 إلى 20%.
- عاملي المرآب وحمل الحقائب عادة يمكنك منحهم 10 دراهم.
- امنح العمال الذين يساعدونك في وضع أغراضك في الحقائب البلاستيكية في السوبر ماركت بعض العملات.
- سائقي الأجرة لا يتوقعون شيئًا إضافيًا لكن لا بأس من ترك الفكة.
الأردن
- في المطاعم رسوم الخدمة متضمنة في الفاتورة، لكن احرص على ترك من 5 إلى 10% من إجمالي الفاتورة للنادل.
- سائقي الأجرة 10 إلى 15%، أو ما يوازي 30 دولارًا للسائق الخاص ليوم كامل، ومثلها للدليل.
إن فهم الخلفيات الثقافية، والدوافع النفسية، والأبعاد الاقتصادية للإكراميات يمكن أن يثري تجربة السفر والتفاعل مع مقدمي الخدمات حول العالم. فبدلاً من اعتبارها مجرد التزام مالي، يمكن النظر إليها كوسيلة للتقدير، وجسر للتواصل الإنساني، وفرصة لفهم أعمق للعادات والتقاليد المتنوعة التي تجعل عالمنا مكانًا فريدًا.